
شيرين أبو عاقلة: في بعض الغياب حضور أكبر... ولنا ألم أكبر
أنس بكر
الفترة التي عرفت فيها شيرين أبوعاقلة قصيرة لا تتعدى ثلاث سنوات، وبالكاد يحق لي الحديث عنها، عرفتها بداية خلال اللقاء الأول للدفعة الأولى لطلبة "دبلوم الإعلام الرقمي" في جامعة بيرزيت وعندها ظننت كما بقية الزملاء في الدبلوم أنها ستدرسنا مساقاً معيناً خلال هذه الفترة، وهذا الاعتقاد جعلنا متحمسين للغاية خصوصًا أن الإعلان عن دبلوم الإعلام الرقمي تضمن زاوية فيها المدرسين والمدربين وهم من ألمع العاملين في المجال الإعلامي في فلسطين، وأن يضاف إليهم الصحفية المخضرمة شيرين أبو عاقلة فذلك سيشكل إضافة نوعية لنا، وكانت المفاجأة أنها ليست مدرسة ولا مدربة وإنما زميلة لنا في هذا التخصص .
وهنا لا أنتقص من قدرات اي زميل ولكن صدقوني لولا معرفتي السابقة ببعض الزملاء في التخصص لكنت انسحبت منه، فكيف لي أن أكون زميل قامة إعلامية مثل شيرين أبو عاقلة؟ وما هي معايير اختيار المتقدمين للدراسة في هذا التخصص؟ وخلصت لنتيجة أنهم أخطأوا في اختياري والأفضل ألا أتسبب بالإحراج لنفسي وأن تكون هذه أول الزيارات وآخرها لكلية الإعلام، ولكن عندما سمعتها تتحدث عن سبب رغبتها في أن تكون جزءًا من طلبة هذا التخصص والتي كان أبرزها صعوبة تعاملها مع الأجهزة والمعدات والكاميرات وبالإضافة إلى أن وسائل الإعلام أخذت منحى جديد في أسلوب النشر وإنتاج القصص ونشرها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، عندها قررت الاستمرار وكان ذلك لحسن حظي.
شيرين كانت أكثرنا التزامًا في الوقت وأكثرنا تحضيرًا للمهام والواجبات والأكثر تركيزًا في المحاضرات خصوصًا في التطبيقات العملية، وحتى عندما طلب منا في مساق تصوير الفيديو اختيار قصة وتصويرها ومونتاجها بأنفسنا وعند إنتهاء المهلة المحددة لعرض هذه المواد، قالت شيرين: "مش مصدقة إني عملتهم كلهم لحالي"، لا يمكن لأي طالب إعلام أن يتوقع أنه سيسمع هذه الجملة خصوصًا من شيرين أبو عاقلة.
في المرة الأولى التي تسمع فيها بشيرين أبو عاقلة يتبادر إلى ذهنك أنها الصحفية المثابرة والمشهورة، تلقائيًا تستحضرها أمام الكاميرا وخلفها مشاهد المواجهات و الدخان المتصاعد من الإطارات المشتعلة أو من قنابل الغاز، نتذكرها وقوات الاحتلال تطارد مركبتها هي وطاقم الجزيرة لعرقلة عملهم في الأغوار والكاميرا المشغلة بشكل سري ونقاشها الحاد مع الجنود، إلا أن لها جانبًا آخر، وهنا أتذكر مشاركتها في المحاضرات، جلوسها تتصفح تطبيقات الهاتف المحمول التي نتعلم العمل من خلالها وهي ترتدي نظارة القراءة، الإفطار الجماعي وصورة السلفي مع المدرب، جلوسنا على عتبة منزل في البلدة القديمة بنابلس وقولها: "أنت الوحيد اللي ما تصورت معك"، شعورنا بالفخر لمجاورتها في كافتيريا الجامعة ونظرات الطلاب والطالبات لها، كنت أقول بيني وبين نفسي نعم هي التي تشاهدونها على التلفاز هي "زميلتنا" ، أحاديثها عن القدس لا تنتهي، حبها للمدينة لا يصدق، لكن القدس بادلتها هذا الحب يوم جنازتها، يوم اعتقل الاحتلال زميلنا مجاهد بني مفلح واتصالها لتقول: "أنس طمني على مجاهد بس تعرف شي" ، أتذكر كيف كانت تحدثنا عن حبها للحيوانات و امتلاكها لكلب أليف في المنزل، عن شجرة الزيتون التي زرعتها في شرفة منزلها.
ربما لو كانت شيرين بيننا اليوم لكانت هي أول الواصلين لعائلة الشهيد داوود الزبيدي، وكانت أول من تجول في المخيم، وفي الوقت الذي كان سيبدأ فيه الصحفيون بالوصول ستكون شيرين اختتمت قصتها لتبدأ البحث عن أخرى وغالباً ستكون في جنين، ومن أنا حتى أشهد لشيرين أبو عاقلة بالمهنية والاحتراف؟ أو حتى أتحدث عن القصص التي كانت ستنتجها لو كانت حية اليوم؟ لكنني كنت زميلها لفترة وشعرت بالفاجعة كما شعرتم أنتم بها.
خسارتنا لشيرين لا تعوض فهي كما وصفها الأستاذ صالح مشارقة "أختك التي لا تخجل من مكياجها، بل تخاف على رنة المحبة في صوتها، وعلى إضاءة بيت لحم في وجهها، بنت من رائحة كنيسة، من تراتيل عيد، من صلوات على مذبح في القدس".