Skip to main content
x

نجاح مخلوف، رحلتي الجامعية فسيفساء مركبة جميلة وصعبة

قبل أن ألتحق بجامعة بيرزيت، عملت عدة سنوات في مجال تدريس الموسيقى في عدة مدارس بمدينة القدس، منها شعفاط، وبيت حنينا، وبيت لحم، وبيت جالا، وكان هذا قبل وجود جدار الفصل العنصري الذي قطع تراب الوطن.

أحببت الموسيقى، وتدربت كثيرًا، حتى عشقتها، فالفن الملتزم هو إكسير الحياة بالنسبة لي. التحقت بفرقة الفنون الشعبية في رام الله عام ١٩٨٥ بمساعدة الموسيقي سهيل خوري. مما أكسبني الجرأة وكيفية التعامل مع من حولي اجتماعيّاً بشكل مميز.

وفي الثمانينيات والتسعينيات، شاركنا في عدة حفلات داخل فلسطين وخارجها.

هذه التجربه أشعرتني بالتميز وأمدتني بالنشاط والحركة الدؤوبة والتعامل مع مختلف شرائح المجتمع.

عندها، لمعت في ذهني فكرة: لماذا لا ألتحق بجامعة محلية وأحمل شهادة علمية تثري تقدمي؟!

في عام ١٩٩١، التحقت بجامعة بيرزيت، بتشجيع ودعم من والدي حفظه الله ورعاه وأمد في عمره، ولا أنسى فضل ودعم فرقة الفنون الشعبية بتقديمها كافة أنواع الدعم المادي والمعنوي .

اخترت دراسة اللغة العربية في كلية الآداب. وأتذكر كيف كنا ندرس بعض المحاضرات في قصر الحمراء بمدينة رام الله بسبب إغلاق الاحتلال للجامعة.

أستطيع القول إن رحلتي مع الحياة الجامعية كانت عبارة عن فسيفساء مركبة وممتعة وجميلة ومؤلمة وصعبة، فهي مليئة بالتناقضات، وذلك لعدم وجود وسائل تقنية حديثة كما هو الحال اليوم. كنت أسجل جميع محاضراتي على جهاز تسجيل، ثم ألخصها على ورق بريل حتى أتمكن من الدراسة.

لا أنسى في هذا المقام دعم أساتذتي لي في الجامعة، أمثال الأستاذه هيفاء السباسي، التي كانت مسؤولة عن التعليم الخاص لذوي الهمم، والتي كانت تمدني بالكتب المنهجية المسجلة على أشرطة، وكذلك الدكتور عبد الكريم خشان والدكتور محمود العطشان، والمرحوم الدكتور عيسى أبو شمسية، والأستاذين عمر مسلم وختام مسلم، والدكتورة وداد البرغوثي، حيث كان لها دور مميز في مسيرتي الأكاديمية، فقد حاولت جاهدة أن تسهل عليّ الصعاب كي أستكمل تعليمي الأكاديمي بيسر، بل ودعمتني وشجعتني للتفكير بالماجستير. وهناك الكثير من الأساتذة الذين كانت لهم بصمات إيجابية في حياتي الأكاديمية.

رغم صعوبات الدراسة، فقد كانت هناك إنجازات مميزة، منها أنني التحقت بفرقة الجامعة "سنابل" كمغنية أساسية. وكان الأساتذة، أمثال وليد عبد السلام، وعيسى بولص، وجورج زيادة وآخرين، يتولون تدريبنا.

كنت أواظب على الدراسة بالنهار، وبعد الجامعة، أتعلم أصول الموسيقى والغناء والعزف، حيث تعلمت على آلة العود مع الأستاذ خالد جبران في معهد إدوارد سعيد للموسيقى، التابع للجامعة .

ولا أنسى زميل الدراسة الفنان أمجد عرار، الذي شكلنا أنا وهو ثنائيّاً بالغناء الملتزم داخل أسوار الجامعه، فمع كل احتفال أو تأبين، كنا نقوم بالغناء والعزف. كانت ذكريات جميلة.

تخرجت في جامعة بيرزيت عام ١٩٩٧، وبدأت هنا مهمة أخرى شاقة، وهي الانخراط بسوق العمل .

بعد الانتهاء من الإغلاقات والمشاكل التقنية، ظهرت مشكلة أكثر صعوبة لطالبة من ذووي الهمم، وهي كيفية انخراطها وقبولها بالوظائف!

وبما أنني أحمل شهادة اللغة العربية ودبلوماً في التربية، فأفضل مجال لي هو التدريس. قدمت بعدة طلبات لوظائف حكومية وفي القطاع الخاص. ولم يكن سهلاً البتة الحصول على وظيفة في تلك الفترة. لكني لم أيأس، حتى قُبلت عام ٢٠٠٢ في مدرسة حكومية في مدينة جنين خاصة للمكفوفين، كمعلمة موسيقى وإنشاء جوقات مدرسيه، ومعلمة مواد أخرى. وكانت لي تجربة غنية في هذه المدرسة من إنشاء للجوقات التي تشارك في العديد من المسابقات التي حققت فيها الطالبات نتائج مهمة وملهمة، وتمكنا من خلال الموسيقى بالعمل الحقيقي على موضوع الدمج ما بين الكفيفين والمجتمع وقد كانت الأستاذة سمر أبو الوفا مديرة المدرسة من أكبر الداعمين لي للخروج والاندماج والعمل المفعم بالطاقة دوماً، خلال السنوات السابقة عملت في مدرستين للمبصرين لمدة تزيد عن الست سنوات، وهما مدرستي وليد أبو مويس ومدرسة الإبراهيمين للطالبات في مدينة جنين، حيث أنشأت الفرق والمجموعات الجماعية والفردية التي شاركت في مسابقات عدة وحققت العديد من النتائج اللافتة.

رغم عملي وانسجامي مع مدارس وفرق المبصرين لابد لي أن أنوه أن متعتي الحقيقية وشغفي كان في تدريب الكفيفين أكثر، لأنه وبنظري الكفيف أكثر قدرة على التعبير الفني والموسيقي فحسه عادة ما يكون أعلى.    

تلك هي قصة حياتي مع جامعة بيرزيت بحلوها ومرها. هي أجمل سنوات عمري التي ستبقى محفورة في ذاكرتي ما حييت.

ومن يريد الاستزادة، يستطيع زيارة صفحتي على اليوتيوب "نجاح مخلوف".